لحمدلله رب العالمــين .. آحكم الحآأكمين .. اعدل العادلين .. الحمدلله مصيب عبآإدة ببعض ذنوبهم .. لرفعتهم وتطهيرهم .. الحمدلله .. الكريم الحكيم .. والصلاة والسلآم على اشرف وسيد المرسلين نببينآإ محمد صلى الله علية وسلم وعلى .. آإلــه وصحبة وسلم تسليمآإ كثيرآإ ..
اخوآإنــي وآخوآتي الكرآإم ..
ألآبتلآء .. سنة كونية .. من سنن الله عزوجل .. لحكمة عظيمة .. ولعطية كبيرة .. تظهر فيها حكم وعدل الله سبحآإنة وتعالى .. والابتلآء .. قد مر بمن قبلنآإ .. انبيآإء .. وتابعين .. وصحآإبة .. وآإخيآإر .. وقل من يصبر عند حلول الكارثــة .. واستحكآإم المصيبة .. ولو علم مافيهآإ من الخيــر لاستبشر بتلك الفآإجعة .. فمنها .. تكفير الذنوب .. رفع الدرجآإت .. بلوغ الجنآإت ..
وانا اليوم اقدم لكم بعض قصص من ابتلوآإ .. وصبرو ا .. ثم اتآإهم الفرج واليقين .. بعد طول سنين .. انقل لكم قصصهم .. من كتآإب رآإئــع ادهشني والله مآإكتب فيه .. وكيف فرج الله عنهم .. اما بدعآإء .. او عمل صالح .. اوايات معينة كآإنت سبب لنجآإتهم بعد رحمة الله ..
انقلها ابتغاء مرضآإة الله .. ثم مواسآأة اهل البلآء .. وانا منهم .. بعد ان كثر في هذا الزمآإن الابتلآء ولله الحمد .. وكثرت اعداد المبتلين .. واللذين قد استبد ببعضهم اليآإس ولآحول ولاقوة الا بالله .. واسآإل الله ان ينفع بمآإ سآإنقلة ؛؛؛
* قــصة آإدم علية السلآآإم *
ذكر الله تعالى، فيما اقتصه من أخبار الأنبياء، شدائد ومحناً، استمرت على جماعة من الأنبياء عليهم
السلام، وضروباً جرت عليهم من البلاء، وأعقبها بفرج وتخفيف، وتداركهم فيها بصنع جليل لطيف.
فأول ممتحن رضي، فأعقب بصنع خفي، وأغيث بفرج قوي، أول العالم وجوداً، آدم أبو البشر، صلى الله
عليه، كما ذكر، فإن الله خلقه في الجنة، وعلمه الأسماء كلها، وأسجد له ملائكته، واه عن أكل
الشجرة، فوسوس له الشيطان، وكان منه ما قاله الرحمن في محكم كتابه: "وعصى آدم ربه فغوى، ثم
اجتباه ربه، فتاب عليه وهدى".
هذا بعد أن أهبطه الله إلى الأرض، وأفقده لذيذ ذلك الخفض، فانقضت عادته، وغلظت محنته، وقتل أحد
ابنيه الآخر، وكانا أول أولاده.
فلما طال حزنه وبكاؤه، واتصل استغفاره ودعاؤه، رحم الله عز وجل تذلله وخضوعه، واستكانته
ودموعه، فتاب عليه وهداه، وكشف ما به ونجاه.
فكان آدم عليه السلام، أول من دعا فأجيب، وامتحن فأثيب، وخرج من ضيق وكرب، إلى سعة
ورحب، وسلى همومه، ونسي غمومه، وأيقن بتجديد الله عليه النعم، وإزالته عنه النقم، وأنه تعالى إذا
استرحم رحم ..
فأبد له تعالى بتلك الشدائد، وعوضه من الابن المفقود، والابن العاق الموجود، نبي الله صلى الله عليه، وهو
أول الأولاد البررة بالوالدين، ووالد النبيين والصالحين، وأبو الملوك الجبارين، الذي جعل الله ذريته هم
الباقين، وخصهم من النعم بما لا يحيط به وصف الواصفين.
وقد جاء في القرآن من الشرح لهذه الجملة والتبيان، بما لا يحتمله هذا المكان، وروي فيه من الأخبار، ما
لا وجه للإطالة به والإكثار.
* قــصة نوح علية السلآآم *
ثم نوح عليه السلام، فإنه امتحن بخلاف قومه عليه، وعصيان ابنه له، والطوفان العام، واعتصام ابنه
بالجبل، وتأخره عن الركوب معه، وبركوب السفينة وهي تجري ما في موج كالجبال، وأعقبه الله
الخلاص من تلك الأهوال، والتمكن في الأرض، وتغييض الطوفان، وجعله شبيهاً لآدم، لأنه أنشأ ثانياً
جميع البشر منه، كما أنشأهم أولاً من آدم عليه السلام، فلا ولد لآدم إلا من نوح.
قال الله تعالى: "ولقد نادنا نوح، فلنعم ايبون، ونجّيناه وأهله من الكرب العظيم، وجعلنا ذريته هم
الباقين، وتركنا عليه في الآخرين" "ونوحاً إذ نادى من قبل فاستجبنا له، فنجيناه وأهله من الكرب
العظيــم ..
* قــصة آإبرآإهــيم عليه السلآم *
ثم إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وما دفع إليه من كسر الأصنام، وما لحقه من قومه، من محاولة إحراقه،
فجعل الله تعلى عليه النار برداً وسلاماً، وقال: "ولقد آتينا إبراهيم رشده من قب ُ ل، وكنا به عالمين"، ثم
اقتص قصه، إلى قوله تعالى: "قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين، قلنا يا نا ر كوني برداً وسلاماً
على إبراهيم، وأرادوا به كيداً، فجعلناهم الأخسرين ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين
ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلةً، وك لا جعلنا صالحين، وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا".
ثم ما كلفه الله تعالى إياه، من مفارقة وطنه بالشام، لما غارت عليه سارة، من أم ولده هاجر، فهاجر ا
وبابنه منها إسماعيل الذبيح عليهما السلام، فأسكنهما بواد غير ذي زرع، نازحين عنه، بعيدين منه، حتى
أنبع الله تعالى لهما الماء، وتابع عليهما الآلاء، وأحسن لإبراهيم فيهما الصنع، والفائدة والنفع، وجعل
لإسماعيل النسل والعدد، والنبوة والملك، هذا بعد أن كلف سبحانه إبراهيم أن يجعل ابنه إسماعيل بسبيل
الذبح، قال الله تعالى فيما اقتصه من ذكره في سورة الصافات: "فبشرناه بغلام حليم، فلما بلغ معه السعي
قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك، فانظر ماذا ترى، قال يا أبة افعل ما تؤمر، ستجدني إن
شاء اللّه من الصابرين، فلما أسلما وتلّه للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا، إنا كذلك نجزي
المحسنين، إنّ هذا لهو البلاء المبين، وفديناه بذبح عظيم، وتركنا عليه في الآخرين، سلام على إبراهيم".
فلا بلاء أعظم من بلاء يشهد الله تعالى أنه بلاء مبين، وهو تكليف الإنسان، أن يجعل بسبيل الذبح ابنه،
وتكليفه، وتكليف المذبوح، أن يؤمنا ويصبرا، ويسلما ويحتسبا، فلما أديا ما كلفا من ذلك، وعلم الله عز
وجل منهما صدق الإيمان، والصبر والتسليم والإذعان، فدى الابن بذبح عظيم وجازى الأب بابن آخر
على صبره، ورضاه بذبح ابنه الذي لم يكن له غيره، قال الله عز وجل: "وبشرناه بإسحاق نبياً من
الصالحين"، إلى قوله: "لنفسه مبين"، وخلصهما بصبرهما وتسليمهما من تلك الشدائد الهائلة.
وقد ذهب قوم إلى أن إبراهيم إنما كلف ذبح ابنه في الحقيقة، لا على ما ذهب إليه من ذلك أن الذي
كلفه أن يجعل ابنه بسبيل الذبح، لا أن يذبحه في الحقيقة، واستدل الحسن البصري على أن إسماعيل هو
الذبيح، لا إسحاق، وأن المأمور به كان الذبح في الحقيقة، بقوله تعالى: "فبشرناها بإسحاق، ومن وراء
إسحاق يعقوب"، فحصلت لإبراهيم البشرى، بأنه سيرزق إسحاق، وأن إسحاق سيرزق يعقوب، ولا
يجوز للنبي أن يشك في بشارة الله تعالى، فلو كان إسحاق هو الذبيح، ما صح أن يأمره بذبحه قبل خروج
يعقوب من ظهره، لأنه كان إذا أمر بذلك، علم أن البشرى الأولة، تمنع من ذبح إسحاق قبل ولادة
يعقوب، وكان لا يصح تكليفه ذبح من يعلم أنه لا يموت أو يخرج من ظهره من لم يخرج بعد، ومتى وقع
التكليف على هذا، لم يكن فيه ثواب، وفي قوله تعالى: "إنّ هذا لهو البلاء المبين". دليل على عظم ثواب
إبراهيم، وصحة الأمر بالذبح، يبين ذلك قوله تعالى: "فلما أسلما وتلّه للجبين"، أي استسلما لأمر الله،
وهما لا يشكان في وقوع الذبح على الحقيقة حتى فداه الله تبارك وتعالى، فهذا دليل على أن الذبيح غير
إسحاق، ولم يكن لإبراهيم ولد غير إسحاق، إلا إسماعيل صلى الله عليهم أجمعين.
* قــصة لوط عليه السلآآإم *
ومن هذا الباب قصة لوط عليه السلام، لما ى قومه عن الفاحشة، فعصوه، وكذبوه، وتضييفه الملائكة،
فطالبوه فيهم بما طالبوه، فخسف الله م أجمعين، ونجى لوطاً، وأثابه ثواب الشاكرين، وقد نطق ذا
كلام الله العظيم في مواضع من الذكر الحكـيم ..
* قــصة يعقوب ويوسف عليهمآإ السلآآإم *
ويعقوب ويوسف عليهما السلام، فقد أفرد الله تعالى بذكر شاما، وعظيم بلواهما وامتحاما، سورةً
محكمةً، بين فيها كيف حسد إخوة يوسف، يوسف، على المنام الذي بشره الله تعالى فيه بغاية الإكرام،
حتى طرحوه في الجب، فخلصه الله تعالى منه، بمن أدلى الدلو، ثم استعبد، فألقى لله تعالى في قلب من صار
إليه إكرامه، واتخاذه ولداً، ثم مراودة امرأة العزيز إياه عن نفسه، وعصمة الله له منها، وكيف جعل عاقبته
بعد الحبس، إلى ملك مصر، وما لحق يعقوب من العمى لفرط البكاء، وما لحق إخوة يوسف من التسرق،
وحبس أحدهم نفسه، حتى يأذن له أبوه، أو يحكم الله له، وكيف أنفذ يوسف إلى أبيه قميصه، فرد الله به
بصيراً، وجمع بينهم، وجعل كل واحد منهم بالباقين وبالنعمة مسروراً.
* قــصة ايوب عليه السلآآإم *
وأيوب عليه السلام، وما امتحن به من الأسقام وعظم اللأواء، والدود والأدواء، وجاء القرآن بذكره،
ونطقت الأخبار بشرح أمره، قال الله تعالى: "وأيوب إذ نادى ربه، أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين،
فاستجبنا له، فكشفنا ما به من ضر، وآتيناه أهله، ومثلهم معهم، رحمة من عندنا، وذكرى للعابدين".
وأخبرنا أبو علي الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي، قراءة عليه بالبصرة سنة سبع وثلاثين وثلثمائة، قال:
حدثنا يعقوب بن سفيان الفسوي، قال: حدثنا عمرو بن مرزوق، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن
النضر بن أنس عن بشير بنيك عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لما عافى الله عز
وجل أيوب عليه السلام، أمطر عليه جراداً من ذهب، قال: فجعل يأخذه، ويجعله في ثوبه، فقيل له: يا
أيوب أما تشبع ؟ قال: ومن يشبع من رحــمة الله تعالى ؟
* قصـة يونس عليه السلآآإم *
ويونس عليه السلام، وما اقتص الله تعالى من قصته في غير موضع من كتابه، ذكر فيها التقام الحوت له،
وتسبيحه في بطنه، وكيف نجاه الله عز وجل، فأعقبه بالرسالة والصنع.
قال الله تعالى: "وإنّ يونس لمن المرسلين، إذ أبق إلى الفلك المشحون، فساهم فكان من المدحضين، فالتقمه
الحوت وهو مليم، فلولا أنه كان من المسبحين، للبث في بطنه إلى يوم يبعثون، فنبذناه بالعراء وهو سقيم،
وأنبتنا عليه شجرة من يقطين، وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون".
قال صاحب الكتاب: أو ها هنا ظاهرها الشك، وقد ذهب إلى ذلك قوم، وهو خطأ، لأن الشك، لا
يجوز على الله تعالى، العالم لنفسه، العارف بكل شيء قبل كونه، وقد روي عن ابن عباس، وهو الوجه،
أنه قال: أو يزيدون، بل يزيدون، وقال: كانت الزيادة ثلاثين ألفاً، وروي عن ابن جبير ونوف الشامي
آنهما قالا: كانت الزيادة سبعين ألفاً، فقد ثبت أن أو هنا، بمعن بل وقد ذهب إلى هذا، الفراء، وأبو
عبيدة، وقال آخرون: إن أو ها هنا، بمعنى ويزيدون.
ومنها قوله تعالى: "وذا النون إذ ذهب مغاضباً، فظن أن لن نقدر عليه، فنادى في الظلمات أن لا إله إلاّ
أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فاستجبنا له، ونجّيناه من الغم، وكذلك ننجي المؤمنين"، قال بعض
المفسرين: معنى لن نقدر عليه لن نضيق عليه.
وهذا مثل قوله: "ومن قدر عليه رزقه، فلينفق مما آتاه اللّه"، أي ضيق عليه، ومثل قوله: "قل إنّ ربي يبسط
الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له، وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه".
وقد جاء قدر بمعنى ضيق في القرآن، في مواضع كثيرة، ومن هذا قيل للفرس الضيق الخطو: فرس أقدر،
لأنه لا يجوز أن يهرب من الله تعالى نبي من أنبيائه، والأنبياء لا يكفرون، ومن ظن أن الله تعالى لا يقدر
عليه، أي لا يدركه، أو أنه يعجز الله هرباً، فقد كفر، والأنبياء عليهم السلام، أعلم بالله سبحانه، من أن
يظنوا فيه هذا الظن الذي هو كفر.
وقد وري: أن من أدام قراءة قوله عز وجل: "وذا النون إذ ذهب مغاضباً.. الآية"... إلى قوله: المؤمنين،
في الصلاة، وغيرها، في أوقات شدائده، عجل الله له منها فرجاً ومخرجاً.
وأنا أحد من واصلها في نكبة عظيمة لحقتني، يطول شرحها وذكرها عن هذا الموضع، وكنت قد
حبست، وهددت بالقتل، ففرج الله عني، وأطلقت في اليوم التاسع من يوم قبض علي فيه.
* قــصة موسى ابن عمرآإن عليه السلآآإم *
وموسى ابن عمران فقط ,نطق القرآن بقصته في غير موضع، منها قوله تعالى: "وأوحينا إلى أم
موسى أن أرضعيه، فإذا خفت عليه فألقيه في اليم، ولا تخافي، ولا تحزني، إنا رادوه إليك، وجاعلوه من
المرسلين، فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً، إنّ فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين،
وقالت أمرأة فرعون قرة عين لي ولك، لا تقتلوه، عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً، وهم لا يشعرون،
وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به، لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين، وقالت
لأخته قصيه، فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون، وحرمنا عليه المراضع من قب ُ ل، فقالت هل أدلّكم
على أهل بيتٍ يكفلونه لكم، وهم له ناصحون فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن، ولتعلم أنّ وعد
اللّه حق، ولكن أكثرهم لا يعلمون".
فلا شدة أعظم من أن يتبلى الناس بملك يذبح أبناءهم، حتى ألقت أم موسى ابنها في البحر مع طفوليته،
ولا شدة أعظم من حصول طفل في البحر، فكشف الله تبارك اسمه ذلك عنه، بالتقاط آل فرعون له، وما
ألقاه في قلوم من الرقة عليه، حتى استحيوه، وتحريم المراضع عليه حتى ردوه إلى أمه، وكشف عنها
الشدة من فراقه، وعنه الشدة في حصوله في البحر.
ومعنى قوله تعالى: ليكون لهم عدواً وحزناً، أي يصير عاقبة أمره معهم إلى عداوة لهم، وهذه لام العاقبة،
كما قال الشاعر:
لدوا للموت وابنوا للخراب وكّلكم يصير إلى ذهاب
وقد علم أن الولادة لا يقصدا الموت، والبناء لا يقصد به الخراب، وإنما عاقبة الأمر فيهما تصير إلى
ذلك.
وعلى الوجه الأول، قوله تعالى "ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس" أي إن عاقبة أمرهم، وفعلهم،
واختيارهم لنفوسهم، يصيرهم إلى جهنم، فيصيرون لها، لأن الله عز وجل، لم يخلقهم ليقصد تعذيبهم
بالنار في جهنم، عز الله عن هذا الظلم.
وجعل الله عاقبة أمر موسى عليه السلام، من تلك الشدائد، وشدائد بعدها، إذ أرسله إلى فرعون،
لتخليص بني إسرائيل، وقصصه التي قبلها، وحديثه إذ خرج خائفاً يترقب، فهذه شدة أخرى كشفها الله
تعالى عنه من تلك الشدائد، وشدائد بعدها، نالته، يأتي ذكرها، أن بعثه نبياً، وأنقذ به بني إسرائيل من
الشدائد التي كانوا فيها مع فرعون، فقال عز وجل، في تمام هذه القصة: "وجاء رجل من أقصى المدينة
يسعى، قال: يا موسى إنّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك، فاخرج إني لك من الناصحين، فخرج منها خائفاً
يترقّب، قال: رب نجّني من القوم الظالمين"، فهذه شدة أخرى كشفها الله عز وجل.
قال تعالى: "ولما توجه تلقاء مدين، قال: عسى ربي أن يهديني سواء السبيل، ولما ورد ماء مدين، وجد
عليه أمة من الناس يسقون، ووجد من دوم امرأتين تذودان، قال: ما خطبكما، قالتا: لا نسقي حتى
يصدر الرعاء، وأبونا شيخ كبير، فسقى لهما، ثم تولّى إلى الظلّ، فقال رب إني لما أنزلت إليّ من خير
فقير"، فهذه شدة أخرى، لحقته بالاغتراب، والحاجة إلى الاضطراب في المعيشة والاكتساب، فوفق الله
تعال له شعيباً، قال الله عز وجل، في تمام هذه القصة: "فجاءته إحداهما تمشي على استحياء، قالت إنّ أبي
يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا، فلما جاءه، وقص عليه القصص، قال لا تخف، نجوت من القوم
الظالمين".
ثم أخبر الله تعالى في هذه القصة، كيف زوجه شعيب ابنته، بعد أن استأجره ثماني حجج، وأنه خرج بأهله
من عند شعيب، فرأى النار، فمضى يقتبس منها، فكلمه الله تعالى، وجعله نبياً، وأرسله إلى فرعون، فسأله ان يرسل
سل معه أخاه هارون، فشد الله تعالى عضده به، وجعله نبياً معه، فأي فرج أحسن من فرج أتى
رجلاً خائفاً، هارباً، فقيراً، قد آجر نفسه ثماني حجج، بالنبوة والملك ؟
قال الله تعالى في سورة الأعراف: "وقال الملأ من قوم فرعون، أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض،
ويذرك وآلهتك، قال: سنقتل أبناءهم، ونستحيي نساءهم، وإنا فوقهم قاهرون"، فهذه شدة لحقت بني
إسرائيل، فكشفها الله عنهم، قال سبحانه: "قال موسى لقومه استعينوا باللّه واصبروا، إنّ الأرض للّه يورثا
من يشاء من عباده، والعاقبة للمقين، قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا، ومن بعدما جئتنا، قال عسى ربكم أن
يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون".
وقال تعالى، في تمام هذه القصة، في هذه السورة، بعد آيات، "وتمّت كلمُة ربك الحسنى على بني إسرائيل
بما صبروا، ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه، وما كانوا يعرشون"، فأخبر تعالى عن صنع لهم، وفلقه
البحر حتى عبروه يبساً، وإغراقه فرعون لمّا اتبعهم.
وكل هذه أخبار عن محن عظيمة انجلت بمنح جليلة، لا يؤدى شكر الله عليها، ويجب على العاقل تأملها،
ليعرف كنه تفضل الله عز وجل بكشف شدائده وإغاثته، بإصلاح كل فاسد لمن تمسك بطاعته، وأخلص في خشيتة واصلح من نيتة فسلك هذه السبيل ’ فانها للنجاة من المكارة اوضح طريق .. واهدى دليل ..
* قــصة اصحآإب الاخدود *
وذكر الله سبحانه وتعالى، في "والسماء ذات البروج"، أصحاب الأخدود، وروى قوم من أهل الملل
المخالفة للإسلام عن كتبهم أشياء من ذلك، فذكرت اليهود والنصارى: أن أصحاب الأخدود كانوا دعاة
إلى الله، وأن ملك بلدهم، أضرم لهم ناراً، وطرحهم فيها، فاطلع الله تعالى على صبرهم، وخلوص نيام
في دينه وطاعته، فأمر النار أن لا تحرقهم، فشوهدوا فيها قعوداً، وهي تضطرم عليهم، ولا تحرقهم، ونجوا
منها، وجعل الله دائــرة السوء على الملك واهلكــه ..
* قــصة دانيآإل عليه السلاآإم *
وذكر القوم: أن نبياً، كان في بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام بزمان طويل، يقال له دانيال،
وأن قومه كذبوه، فأخذه ملكهم، فقذفه إلى أسد مجوعة في جب، فلما اطلع الله تعالى على حسن اتكاله
عليه، وصبره طباً لما لديه، أمسك أفواه الأسد عنه، حتى قام على رؤوسها برجليه، وهي مذللة، غير ضارة
له، فبعث الله تعالى إرميا من الشام، حتى تخلص دانيال من هذه الشدة، وأهلك من أراد إهلاك دانيال.
وعضدت روايتهم، أشياء رواها أصحاب الحديث، منها ما حدثناه علي ابن الطيب الحسن بن علي بن مطرف
ف الرامهرمزي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الجراح، قال: حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي
الدنيا القرشي، قال: حدثنا أحمد بن عبد الأعلى الشيباني، قال: إن لم أكن سمعته من شعيب بن صفوان،
فحدثنا بعض أصحابنا عنه، عن الأجلح الكندي، عن عبد الله بن أبي الهديل قال: ضرى بخت نصر
أسدين، فألقاهما في جب، وجا بدانيال فألقاه عليهما، فلم يهيجاه، فمكث ما شاء الله، ثم اشتهى ما
يشتهي الآدميون، من الطعام والشراب، فأوحى الله إلى إرميا، وهو بالشام، أن أعد طعاماً وشراباً لدانيال،
فقال: يا رب، أنا بالأرض المقدسة، ودانيال بأرض بابل من أرض العراق، فأوحى الله تعالى إليه أن أعد ما
أمرناك به، فإنا سنرسل إليك من يحملك، ويحمل ما أعددت ففعل، فأرسل الله إليه من حمله، وحمل ما
أعد، حتى وقف على رأس الجب.
فقال دانيال: من هذا ؟ قال: أنا إرميا.
قال: ما جاء بك ؟ قال: أرسلني إليك ربك.
قال: وذكرني ؟ قال: نعم.
قال: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، والحمد لله الذي لا يخيب من رجاه والحمد لله الذي من توكل
عليه كفاه، والحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره، والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحساناً،
وبالسيئات غفراناً، والحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة، والحمد لله الذي يكشف ضرنا، بعد كربنا،
والحمد لله اللذي هو ثقتنا حين تسوء ظنوننا بآإعمالنا , والحمدلله اللذي هو رجاؤنا حين تنقطع حيلــنا ..
*الشدائــد اللتي جرت على حبيبنآإ محمد صلى الله عليه وسلم *
وقد ذكر الله تعالى في محكم كتابه، الشدة التي جرت على محمد صلى الله عليه، وعلى آله الأخيار، فيما
اقتصه من قصة الغار، فقال سبحانه: "إلاّ تنصروه، فقد نصره اللّه، إذ أخرجه الّذين كفروا ثاني اثنين إذ
هما في الغار، إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا، فأنزل الله سكينته عليه، وأيده بجنود لم تروها، وجعل
كلمة الّذين كفروا السفلى، وكلمُة اللّه هي العليا، واللّه عزيز حكيم".
وروى أصحاب الحديث، ما يطول إعادته بألفاظه وأسانيده، أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما خاف أن
يلحقه المشركون، حين سار عن مكة مهاجراً، دخل الغار هو وأبو بكر الصديق، فاستخفى فيه، فأرسل
الله عنكبوتاً فنسج في الحال على باب الغار، وحمامة عششت، وباضت، وفرخت للوقت، فلما انتهى
المشركون إلى الغار، رأوا ذلك، فلم يشكوا انه غار لم يدخله حيوان منذ حين , وان رسول الله صلى الله عليه وسلم وابا بكــر
بكر، ليريان أقدامهم، ويسمعان كلامهم، فلما انصرفوا، وأبعدوا، وجاء الليل، خرجا،
فسارا نحو المدينة، فورداها سالمين.
وروى أصحاب الحديث أيضاً، من شرح حال النبي صلى الله عليه وسلم، في المحن التي لحقته من شق
الفرث عليه، ومحاولة أبي جهل، وشيبة وعتبة ابني ربيعة، وأبي سفيان صخر بن حرب والعاص بن وائل،
وعقبة بن أبي معيط، وغيرهم، قتله، وما كانوا يكاشفونه به، من السب والتكذيب، والاستهزاء والفدع
والتأنيب، ورميهم إياه بالجنون، وقصدهم إياه غير دفعة بأنواع الأذى والعضيهة والافتراء، وحصرهم إياه
صلى الله عليه وسلم، وجميع بني هاشم في الشعب، وتخويفهم إياه، وتدبيرهم أن يقتلوه، حتى بعد، وبيت
علياً عليه السلام، على فراشه، ما يطول اقتصاصه، ويكثر شرحه، ثم أعقبه الله تعالى، من ذلك، بالنصر
والتمكين، وإعزاز الدين، وإظهاره على كل دين، وقمع الجاحدين والمشركين، وقتل أولئك الكفرة
المارقين والمعاندين، وغيرهم من المكذبين الكاذبين، الذين كانوا عن الحق ناكثين، وبالدين مستهزئين،
وللمؤمنين مناصبين متوعدين، وللنبي صلى الله عليه وسلم مكاشفين محاربين، وأذل من بقي بعز الإسلام
بعد أن عاذ بإظهاره، وأضمر الكفر في إسراره، فصار من المنافقين الملعونين، والحمد لله رب العالمين.
يستكمل بمشئة الله ...