قَبْلَ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ سَنَةٍ فِي الْمِائَةِ الأُولَى مِنْ تَارِيخِ الْهِجْرَةِ، كَانَ رَجُلٌ يَعْمَلُ فِي قَصْرِ الْحَجَّاجِ بنِ يُوسُفَ فَرَأَى جَارِيَةً عَلِقَتْ نَفْسُهُ بِهَا، وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ ذَاتَ يَوْمٍ انْكَبَّ مِنْ يَدِ رَجُلٍ زِقُّ عَسَلٍ فَصَارَتِ الأَطْفَالُ يَأْكُلُونَ مِنَ هَذَا الْعَسَلِ، وَهُمْ يَقُولُونَ أَخْزَى اللَّهُ إِبْلِيسَ، يَسُبُّونَ إِبْلِيسَ وَيَأْكُلُونَ مِنْ هَذَا الْعَسَلِ.
فَقَالَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي يَعْمَلُ فِي قَصْرِ الْحَجَّاجِ قُولُوا جَزَى اللَّهُ إِبْلِيسَ خَيْرًا لأِنَّهُ هُوَ السَّبَبُ بِأَكْلِكُمْ مِنْ هَذَا الْعَسَلِ وَلا تَقُولُوا أَخْزَى اللَّهُ إِبْلِيسَ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ، فَظَهَرَ لَهُ إِبْلِيسُ مُتَشَكِّلاً فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ لَكَ عِنْدِي يَدٌ بَيْضَاءُ، مَعْنَاهُ لَكَ عِنْدِي حَقٌّ بِالْمُكَافَأَةِ، مَتَّى مَا أَرَدْتَ لِقَائِي فَالْعَلامَةُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ كَذَا، فَصَارَ هَذَا الرَّجُلُ مَعْرُوفًا، صَارَ يُقَالُ لَهُ صَدِيقُ إِبْلِيسَ، مِنْ كَثْرَةِ مَا تُقْضَى حَاجَاتُ النَّاسِ عَلَى يَدِهِ بِسَبَبِ إِبْلِيسَ، ثُمَّ هَذَا الرَّجُلُ تَذَكَّرَ مَا قَالَ لَهُ إِبْلِيسُ، فَقَالَ أَقْصِدُ إِبْلِيسَ لأِصِلَ إِلَى هَذِهِ الْبِنْتِ.
إِبْلِيسُ أَعْطَاهُ عَلامَةً قَالَ لَهُ افْعَلْ كَذَا وَكَذَا فَأَحْضُرُ، فَطَلَبَهُ فَحَضَرَ، فَشَكَى لَهُ فَصَارَ إِبْلِيسُ يُحْضِرُهَا لَهُ فِي اللَّيْلِ ثُمَّ عِنْدَ الصَّبَاحِ يَرُدُّهَا إِلَى قَصْرِ الْحَجَّاجِ، ثُمَّ الْحَجَّاجُ ذَاتَ لَيْلَةٍ رَأَى هَذِهِ الْبِنْتَ مُكْتَئِبَةً فَقَالَ لَهَا مَا بَالُكِ، فَقَصَّتْ لَهُ قِصَّتَهَا وَأَخْبَرَتْهُ بِأَنَّهَا تُسَاقُ فِي اللَّيْلِ إِلَى بَيْتِ رَجُلٍ فَيَزْنِي بِهَا ثُمَّ تُعَادُ، فَقَالَ لَهَا الْحَجَّاجُ: إِنْ عَادَ فَأَخَذَكِ فَخُذِي مَعَكِ هَذَا الصِّبْغَ فَاصْبُغِي بِهِ بَابَ بَيْتِهِ، فَفَعَلَتْ.
ثُمَّ هُوَ أَرْسَلَ الْعَسْكَرَ لِيُفَتِّشُوا فَفَتَّشُوا فَوَجَدُوا بَيْتًا عَلَيْهِ هَذَا الصِّبْغُ الْخَاصُّ، فَأَخَذُوا هَذَا الرَّجُلَ إِلَى الْحَجَّاجِ، فَبَيْنَمَا هُوَ هُنَاكَ جَاءَ الشَّيْطَانُ فَأَخَذَهُ، أَنْقَذَهُ مِنَ الْقَتْلِ، أَخَذَهُ فِي الْهَوَاءِ وَغَيَّبَهُ، لا يُعْرَفُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ خَبَرٌ، وَلَوْ وَجَدَهُ الْحَجَّاجُ لَقَتَلَهُ، إِبْلِيسُ شَكَرَهُ لِهَذِهِ، لأِنَّهُ نَهَى الأَطْفَالَ عَنْ سَبِّ إِبْلِيسَ وَقَالَ لَهُمْ هَذَا الْعَسَلُ بِسَبَبِ إِبْلِيسَ حَصَّلْتُمْ عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُمْ قُولُوا جَزَى اللَّهُ إِبْلِيسَ خَيْرًا فَكَفَرَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، بِسَبَبِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ صَارَ لَهُ عِنْدَ إِبْلِيسَ مَنْزِلَةٌ كَبِيرَةٌ، إِبْلِيسُ فَرِحَ مِنْهُ فَسَاعَدَهُ.
لا يُغْتَرُّ بِالشَّخْصِ إِذَا كَانَ يَحْصُلُ عَلَى يَدِهِ شِفَاءٌ لِلْمَجَانِينِ وَأَصْحَابِ الْعَاهَاتِ، إِلاَّ أَنْ يُعْرَفَ حَالُهُ، إِنْ وُجِدَ مُسْتَقِيمًا بِطَاعَةِ اللَّهِ يُظَنُّ بِهِ الْوِلايَةُ وَإِلاَّ لا يُظَنُّ بِهِ الْوِلايَةُ.المصدر
دار الفتوى