مقال بواسطة/ فاطمة نبيل
اقتباس :قل للذي أحصى السنين مفاخراً .. يا صاح ليس السرّ في السنوات جعل السنين مجيدة وجميلة .. ما في مطاويها من الحسنات .. إيليا أبو ماضي
لم يفكروا بأن كونهم مجرد أطفال يعني قلة حيلتهم وعجزهم، بل تحملوا المسؤولية وكان على بعضهم مواجهة المخاطر بشجاعة في سبيل إحداث التغيير، وبرغم قسوة الحياة لم يتخلوا عن الأمل ..
إنهم فتيان وفتيات لم يقفوا مكتوفي الأيدي
إزاء المشاكل التي يواجهها مجتمعهم، بل استطاعوا بأفعالهم الإنسانية البسيطة -لكن الصادقة- وبقليل من مساعدة الظروف، تغيير مجتمعهم وإيصال رسائلهم للعالم وأن يصبحوا قدوة لأترابهم من الأطفال وللكبار أيضاً.
أذكر بعضهم هنا ممن جذبوا أنظار الإعلام وأُنشئت بسببهم مؤسسات تغيير في حياة الناس الى اليوم.
ملالا يوسفزاي
نشأت ملالا في أسرة مشجعة للتعليم ولا تفرق في أحقيته بين الذكور والإناث بعكس العادات السائدة، وتلقت الكثير من تعليمها على يد والدها وهو شاعر و يدير مدرسة في منطقتهم.
أصبحت ابنة الـ 11 سنة ناشطة في حقوق المرأة لا تفوت أي فرصة للمطالبة بحق التعليم لها وللفتيات.
في 2009 كتبت ملالا إلى bbc تحت اسم مستعار عن تفاصيل حياتها تحت فرض سيطرة طالبان على القرى ومنعهم للفتيات من ممارسة حقهن في التعلم. وفي الصيف التالي قدمت نيويورك تايمز فيلماً وثائقياً عن نضالها.
نددت يوسفزاي عبر تدويناتها بانتهاك حركة طالبان باكستان لحقوق الفتيات وحرمانهن من التعليم ، وقتلهم لمعارضيهم وعبرت عن رأيها بشجاعة أقلقت المحيطين بها.
إلى ذلك الوقت لم تكن ملالا قلقة على نفسها لأنها لم تعتقد أن طالبان يمكن أن تكون قاسية إلى الدرجة التي تجعلها تقتل طفلة، بل كانت قلقة أكثر على والدها الذي كان أيضاً ناشطاً في حقوق المرأة، فاستمرت في نضالها ولفت أنظار العالم إلى معاناة الفتيات في قريتها.
بعد ظهر يوم 9 أكتوبر 2012، وعندما كانت تستقل حافلة مدرسية برفقة زميلاتها، أوقف مسلحون الحافلة وطلبوها بالاسم، أشار الرجل بفوهة مسدسة الى رأس الطفلة وأطلق الرصاصة التي برغم محاولة ملالا لتفاديها إلا أنه اصابت الجزء الأيسر من جبهتها وقليلاً من كتفها.
في الأيام التالية للهجوم بقيت فاقدة للوعي وفي حالة حرجة، فتكفلت الإمارات بنقلها للعلاج في المستشفى الملكي ببريطانيا، وحصلت على العلاج والعناية اللازمة ناجية بذلك من موت محقق.
أثارت محاولة الاغتيال استنكاراً واسعاً وتسببت في تدفق الدعم على المستوى الوطني والدولي لقضية ملالا، فخرج الناس من مختلف أنحاء العالم لإظهار مساندتهم لها وحصلت على العديد من الجوائز.
أصدرت في 2013 كتاب انا ملالا *2 وانشأت “مؤسسة ملالا” *3 التي تعنى بتوفير التعليم للأطفال.
وفي 2014 وعندما كانت ملالا في السابعة عشرة من عمرها تم الإعلان عن حصولها على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع كايلاش ساتيارثي لكفاحهما ضد قمع الأطفال ومن أجل حق جميع الأطفال في التعليم*4، وأصبحت بهذا أصغر حائز على جائزة نوبل منذ إنشائها.
اقتباس :طفل واحد، معلم واحد وكتاب واحد يمكنهم تغيير العالم، التعليم أولاً وقبل كلّ شيء .. قالت ملالا أمام شخصيات سياسيه عالمية.
لويس بريل
ولد في العام 1809 في مدينة كونكري –فرنسا. وفي عمر الثالثة أصيب في عينيه عندما كان في ورشة والده فأضحى أعمى.
لكن بريل تلقى الاهتمام والتشجيع من عائلته، الأمر الذي كان غير مألوف في ذلك الوقت حيث كان فاقدو البصر يُهملون من قبل المجتمع ويعانون من سوء المعاملة والخدمات.
أبهر لويس من حوله بذكائه وعقليته الفذة، فحصل على منحة تعليمية لمعهد المكفوفين في مدينة باريس.
صدم عند وصوله باكتشافه الأوضاع السيئة التي كان يعيشها الطلاب المكفوفون في المعهد، حيث لا يهتم أحد بتعليمهم حقاً إلا لإشغال وقتهم ببعض النشاطات. وبرغم ذلك اجتهد لويس وكان طالباً متفوقاً وأصبح موسيقياً أيضاً.
كان يوجد في المعهد 14 كتاباً فقط كتبت فيها الحروف بنظام الشكل بارز ليتمكن المكفوفون من قراءتها، لكنه لا يزال نظام له الكثير من السلبيات، فلم يكن نظاماً عالمياً لنشر الكتب، وقد قرأ لويس كل الكتب الموجودة في المعهد وأراد الاستمرار في المطالعة والقراءة دون الحاجة لمساعدة أحد.
فابتكر وهو لايزال ابن خمس عشرة سنة نظام كتابة جديد يعتمد على النقاط، وهو ما يعرف اليوم بنظام بريل الذي أنار حياة الملايين من المكفوفين على مر السنين.
اقتباس :الحصول على التواصل مع العالم بأوسع معانيه هو الوصول للمعرفة، والمعرفة هي القوة وهذا المهم بالنسبة لنا، فنحن لسنا بحاجة لشفقة ولا نحتاج للتذكير بأننا ضعفاء بل يجب أن نعامل بمساواة.
قام بعد ذلك بتوسعة نظامة ليشمل رموز الرياضيات والموسيقا، ونشر أول كتاب بنظام بريل في 1829.
بعمر التاسعة عشر أصبح بريل معلماً في المعهد حيث بقي حتى وفاته في عمر الثالثة والأربعين.
الكساندرا سكوت
منذ عامها الأول تم تشخيص الكساندرا بنوع خبيث من السرطان يدعى الورم الجذعي العصبي، وخضعت الصغيرة لخمس عمليات جراحية مؤلمة لاستئصاله من العمود الفقري لكنه ظل يعود إليها مرة تلو الأخرى.
في العام 2000 وفقط عندما كانت لا تزال في الرابعة من عمرها أخبرت الكساندرا أمها برغبتها بفتح كشك صغير لتبيع فيه عصير الليمون على أن تذهب الأرباح لمساعدة الأطفال مثلها الذين يفتك السرطان فيهم. قائلة: “أريد أن يساعد الأطباء الأطفال الآخرين مثلما ساعدوني أيضاً”.
انتشر خبر كشك الليمون، وأول مشروع بيع لها جمع 2.000$، وقاد ذلك لإنشاء مؤسسة خيرية باسم “صندوق الكساندرا سكوت لكشك الليمون”.*2
جذبت الصغيرة اهتمام الصحافة والمجتمع الذي قدم لها المساعدة في عملها الخيري.
واصلت الكس بجد مشروعها لبيع عصير الليمون طوال حياتها الى أن توفيت في 2004 وهي بعمر الثامنة، وكانت قد جمعت حينها أكثر من مليون دولار ذهبت إلى أبحاث السرطان.
لا زالت مؤسستها ناشطة إلى اليوم، وفي كل عام يقوم الآلاف من المتطوعين بافتتاح أكشاك لبيع عصير الليمون في ما يسمى بـ”أيام الليمون السنوية” من كل شهر يونيو لجمع التبرعات.
إقبال مسيح
لأن أهله لم يستطيعوا قضاء ديونهم لصاحب معمل للسجاد، قاموا ببيعه كعبد وهو لا يزال في الرابعة من عمره لصاحب المعمل، وكان المطلوب منه هو أن يشتغل لديه إلى حين قضاء كامل الدين المتراكم على أسرته.
فكان الطفل الباكستاني إقبال يعمل منذ الفجر لمدة 14 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع في ظروف غير إنسانية هو وباقي الأطفال العاملين في صناعة السجاد، حتى أن بعضهم كان يقيد بالسلاسل لمنع هروبهم. وتوقف نموه بسبب سوء التغذية الحاد وسنوات الجمود الطويل في العمل.
في سن العاشرة حاول إقبال الهرب لكن تمت إعادته إلى رب عمله، هرب بعد ذلك مرة أخرى واستطاع هذه المرة الانضمام لمؤسسة في باكستان تناضل من أجل وقف عمالة الأطفال حول العالم.
أضحى إقبال رمزاً لمكافحة استرقاق وعمالة الأطفال في العالم النامي، وساعد فيما بعد أكثر من 3000 طفل باكستاني على الهروب والحصول على الحرية، وألقى خطابات في أنحاء العالم عن عمالة الأطفال
.
اقتباس :يجب أن يحمل الأطفال الأقلام في أيديهم وليس أدوات العمل .. من أحد أقواله
كان يحلم بأن يصبح محامياً لكن تم اغتيال إقبال وحلمه في موريدكي في 1995، بعد وقت قصير من عودته من رحلة في أمريكا. حسب بعض الروايات أن قاتله هو أحد المزارعين، بينما يرجح آخرون سبب اغتياله لنشاطه في محاربة العبودية. وحضر جنازته ما يقرب من 800 من المشيعين.
كانت قصة إقبال سبباً في إنشاء عدد من المنظمات الفاعلة في مجال مناهضة عمالة الاطفال. مثل مؤسسة “تحرير الأطفال” الكندية *2 ومؤسسة إقبال مسيح للأطفال*3. وأنشأ الكونجرس في الولايات المتحدة جائزة سنوية معنية في هذا المجال وسميت باسمه*4.
نكوسي جونسون
ولد نكوسي مصاباً بفيروس نقص المناعة البشرية/الايدز في 1989 في جنوب إفريقيا. ولم يعرف والده قط، فتبنته الطبيبة غيل جونسون لتعتني به بدلاً من أمه عندما أضعفها المرض.
لفت نكوسي انتباه الرأي العام الوطني في 1997 عندما رفضت مدرسة ابتدائية في ضاحية جوهانسبورج القبول به كتلميذ لخوفهم من مرضه.
وصلت أصداء هذا الحادث إلى القضاء في جنوب إفريقيا الذي يمنع التمييز على أساس الوضع الطبي فتراجعت المدرسة عن قرارها.
توفيت والدة نكوسي بالولادة من الإيدز في نفس العام الذي بدأ فيه بالدراسة. وبالرغم من تلقيه للدواء والعلاج بدأت حالته تزداد سوءاً بشكل مطرد على مدى السنوات، لكنه استطاع أن يعيش حياة نشطة إلى حد ما في المدرسة والمنزل.
اهتم نكوسي بقضية تغيير نظرة المجتمع لمرضى الايدز، وأيضاً توعيتهم حول طبيعة المرض وطرق انتشاره، وكان المتحدث الرئيسي في المؤتمر الدولي الثالث عشر لمكافحة الايدز، حيث شجع ضحايا هذا المرض على أن يكونوا صريحين بلا خجل حول إصابتهم بالمرض والسعي إلى مطالبة المجتمع بالمساواة في المعاملة معهم.
أنهى نكوسي خطابه بالكلمات التالية: “تقبلونا ،اعتنوا بنا، نحن بشر طبيعيون مثلكم لدينا أيدي وأقدام، نسير ونتحدث، ولدينا احتياجات تماماً مثل أي شخص آخر، فلا تخافوا منا لأننا جميعاً متشابهون”.
حصل نكوسي على تعاطف الناس من جميع أنحاء العالم، فأصبح أحد أشهر المرضى بالايدز. وجنباً إلى جنب مع حاضنته جونسون أسس ملجأ “جنة نكوسي”*2 للأمهات المصابات بفيروس نقص المناعة البشرية وأطفالهن في جوهانسبورغ، والذي لايزال يقدم حتى اليوم مشاريع ومساعدات للمرضى بالايدز.
عند وفاته في 2001 بعمر الثانية عشر كان نكوسي قد عاش أطول فترة حياة لمريض مولود بالايدز، وأشار نيلسون مانديلا إليه باعتباره نموذجاً للكفاح من أجل الحياة.
في 2005 تسلمت عنه حاضنه غيل جونسون جائزة السلام الدولي للأطفال.
راين هيلجاك
في العام 1998 صُدم الكندي راين ذو الست أعوام عندما تعلم بأن على بعض الأطفال في إفريقيا المشي لكيلوميترات عديدة كل يوم فقط للحصول على الماء الذي يكون عادةً ملوثاً، بينما يستطيع هو الحصول عليه ببساطة من الحنفية، وأن الكثير منهم يموت بسبب الفشل الكلوي أو تلوث المياة بالبكتيريا.
عندما طلب المال من والديه لم يأخذانه بجدية، فعرض أن يعمل في المنزل مقابل القليل من المال فوافقا، وهكذا أصبح يجمع مصروفه ليتبرع به في نهاية الأسبوع لجمعية خيرية تبني الآبار في الدول الإفريقية الفقيرة. نتيجة لذلك قررت الجمعية جعله متحدثاً لها، وبالفعل شارك في العديد من الفعاليات لحث الناس على الالتفات لمعاناة الأطفال الإفريقيين.
اقتباس :لطالما آمنت بأن هذا العالم ماهو إلا قطعة أحجية كبيرة، وما علينا إلا أن نجد أين يقع مكاننا منه، بالنسبة لي فمكاني هو في قضية المياه.
بنى راين في 1999 أول بئر له في أوغندا، وتوالت بعدها نشاطاته التي قادت لإنشاء مؤسسة “بئر راين”*2 حيث أكمل أكثر من 992 مشروعاً تطوعياً لبناء الآبار في العديد من الدول موفراً المياة النقية لأكثر من مليون شخص، ولازالت مؤسسته نشطة إلى الآن.
كايتي ستاجليانو
كجزء من واجبها المدرسي جلبت كايتي ذات التسعة أعوام شتلات الملفوف إلى البيت لكي تزرعها في حديقتهم الخلفية، لكنها وعائلتها تفاجؤوا بالحجم المذهل الذي وصل إليه الملفوف (40 باونداً)، فاقترح عليهم جارهم التبرع به لمنظمة تطبخ الطعام للفقراء، وفعلاً ذهبت كايتي ووالدتها ورأت بنفسها كيف وفر ملفوفها الحساء لأكثر من 275 جائع.
وهنا ولد هدف حياتها كما تقول، فقررت أن تزرع أنواع الخضروات لتتبرع بها، ولم يكن الأمر سهلاً، إذ عليها أن تحصل على أرض لتزرع عليها، فسعت لجمع التبرعات من الحي والمنظمات الخيرية التي قدمت إحداها بستانياً ليساعد كيتي ويعلمها الزراعة، وساعدها زملاؤها في المدرسة في عملية التبرع، إلى أن نجحت بزراعة محصولها في حديقتها الأولى وذهب كله لإطعام الفقراء. وافتتحت بعد ذلك مؤسسة “محاصيل كايتي”.
اقتباس :حلمي هو ألا يوجد جياع.
وعندما وصلت إلى عمر الرابعة عشر كانت مؤسستها تدير 75 حديقة في 27 ولاية وجمعت أكثر من 200.000 دولار لإطعام الفقراء.
ولا زالت مؤسستها نشطة وتقوم كل عام بحملات لإشراك الأطفال في الزراعة، وتتبرع بالآف الدولارات للمحتاجين.
كريستي هاورد
ولدت كريستي بتشوه خلقي في القلب يجعل وضعيته معكوسة، مما أثر على باقي أعضائها الداخلية، وتوقع لها الأطباء العيش لأربع سنوات فقط، فهي تعتبر الثانية عالمياً ممن ولدوا بهذا التشوه النادر. وتوجب عليها التنفس بواسطة أسطوانة من الأكسجين طوال حياتها.
لكنها على الرغم من مرضها فلم تفارق الضحكة وجهها، وقد نجحت بجمع التبرعات الخيرية بدعم من الكثير من المشاهير، وأصبحت أشهر جامعي التبرعات للأطفال في بريطانيا، فقد جمعت على مدار حياتها تبرعات تزيد عن 7 مليون جنيه استرليني لمستشفى أطفال في مدينتها مانشستر. وافتتحت “نادي كريستي”*2 الذي يدعم الأطفال المرضى.
وحصلت على العديد من الجوائز المحلية والدولية تقديراً لمساهماتها في مجتمعها.
توفيت كريستي مؤخراً في 24 اكتوبر 2015 وهي بعمر العشرين.