قصة بقرة بني إسرائيل
الرواية ذكرها الطبري عن أبي العالية ، قال: كان رجل من بني إسرائيل، وكان غنياً، ولم يكن له ولد، وكان له قريب وارثه، فقتله ليرثه، ثم ألقاه على مفترق الطريق، وأتى موسى فقال له: إن قريبي قُتل، وأتي إلي أمر عظيم، وإني لا أجد أحداً يبين لي من قتله غيرك يا نبي الله. قال: فنادى موسى في الناس: أنشد الله من كان عنده من هذا علم إلا بينه لنا. فلم يكن عندهم علمه. فأقبل القاتل على موسى، فقال: أنت نبي الله، فاسأل لنا ربك أن يبين لنا. فسأل ربه، فأوحى الله إليه: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}. فعجبوا، وقالوا: {أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض}، يعني: لا هرمة، ولا بكر، يعني: ولا صغيرة، {عوان بين ذلك}، أي: نصف، بين البكر والهرمة. {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها}، أي: صاف لونها، {تسر الناظرين}، أي: تعجب الناظرين. {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون * قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول} أي: لم يذللها العمل، {تثير الأرض}، يعني ليست بذلول فتثير الأرض. { ولا تسقي الحرث }، أي: ولا تعمل في الحرث. {مسلمة}، يعني مسلَّمة من العيوب، {لا شية فيها}، أي: لا بياض فيها. {قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون}. قال: ولو أن القوم حين أمروا أن يذبحوا بقرة، استعرضوا بقرة من البقر فذبحوها، لكانت إياها، ولكنهم شددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم. ولولا أن القوم استثنوا، فقالوا: {وإنا إن شاء الله لمهتدون}، لما هدوا إليها أبداً.
ثم إنهم لم يجدوا البقرة التي نُعتت لهم، إلا عند عجوز عندها يتامى، وهي القيِّمة عليهم. فلما علمت أنهم لا يصلح لهم غيرها، ضاعفت عليهم الثمن. فأتوا موسى عليه السلام فأخبروه أنهم لم يجدوا هذا النعت إلا عند فلانة، وأنها سألتهم أضعاف ثمنها. فقال لهم موسى عليه السلام: إن الله قد كان خفف عليكم، فشددتم على أنفسكم، فأعطوها رضاها وحكمها. ففعلوا، واشتروها فذبحوها. فأمرهم موسى عليه السلام أن يأخذوا عظماً منها، فيضربوا به القتيل. ففعلوا، فرجعت إليه روحه، فسمى لهم قاتله، ثم عاد ميتاً كما كان. فأخذوا قاتله -وهو الذي كان أتى موسى فشكى إليه- فقتله الله على سوء عمله.